السلام عليكم ... مرحبا بكم في موقعنا المتميز كل شي عن القطيف  علماء ..شعراء ..تاريخ ..تراجم ..ارتباطات

 

وصلات قطيفية

جغرافيا القطيف _ خرائط ومواقع أثرية _ وعيون _ وبساتين

شعراء وأدباء

مواضيع تاريخية

تراجم علماء القطيف



الوقف في القطيف وأثره في حياتها 

السيد حسن العوامي

 

المقدمة 


قبل الحديث عن الوقف وأهميته لا بد من العروج الى حقيقة معنى الوقف لأجل أن تتوضح صورته لدى المتلقي. 

إن لفظة وقف تأخذ شرحاً كبيراً في معاجم اللغة ففي لسان العرب الوقوف خلاف الجلوس، ويأتي بعد ذلك بكثير من الشواهد على قوله ثم يقول:" وقف الارض على المساكين". وفي الصحاح للمساكين. وقفاً. حبسها "وقفت الشيء أقفه وقفاً". فالوقف حبس وتحبيس "والحبسُ جمع الحبيس يقع على كل شيء وقفه صاحبه وقفاً ما لا يورث ولا يباع من أرض ونخل..الخ". 

وللوقف في الاسلام منزلة كبيرة ومكانة رفيعة، وقد ولد بولادة الاسلام في آخر تشريعاته على نبينا الأكرم (ص). 

ولذلك أثر عنه قوله:"اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث. صدقة جارية. أو علم ينتفع به. أو ولد صالح يدعو له بخير" والمقصود بالصدقة ـ الوقف ـ ولقد قال (ص) لعمر حين اراد أن يتصدق بأرض له تدعى (ثمغ) "تصدق بأصلها لا يباع ولا يورث ولا يوهب"(1). 

ولا أعلم إن كان الوقف مأخوذاً به في الديانات والانظمة السابقة على الاسلام الا المسيحية، فإنه يفهم من تاريخ الحضارات العام بأن الوقف كان موجوداً حيث يقول (2):"وفي الوقت ذاته برز الى جانب الملكية البروجوازية والعسكرية وطلع من تفاعلها نوع آخر من الملكية كتب لها أن تلعب فيما بعد حتى في التاريخ الحديث دوراً متزايد الاهمية، الا وهو نظام الوقف والحبوس، وقد كانت نواة هذا النظام وهذه الاملاك والاقطان ـ ولعلها الاطيان ـ التي صارت ملكيتها الى رجال الدين من أبناء الطوائف الاخرى التي لم يمسها الاسلام ولم يلغها "والشاهد هنا هو أبناء الطوائف الاخرى التي لم يمسها الاسلام ولم يلغها، وإن كان هذا الاستنتاج ضعيفاً لأن سياق الموضوع يدور حول الاحتلال العسكري "الذي بلغ أشده مع فتوحات الدولة السلجوقية". 

وعلى كل حال، سواء كان الوقف موجوداً قبل رسالة النبي محمد (ص) أو لم يكن، فإن الاسلام قد أولاه جانباً كبيراً في تشريعاته. وأرسى له أصولاُ وقعَّد له القواعد وشرع أحكاماً تتعلق بالواقف والموقوف والموقوف عليه مع شروط الصحة والفساد. ويدخل ضمن ذلك الحرية والملكية والاهلية والتولية الى سوى ذلك من مستلزمات اركان الوقف وشروطه.فاهتم الفقهاء في ابواب الفقه بهذا الجانب كاهتمامهم بجوانب التشريعات الاخرى. 

واقتفاء من المسلمين لما ندب اليه الاسلام من التوجبه الى الايقاف للحصول على المثوبة، فقد تكاثر الوقف ونما في جميع احقاب التاريخ الاسلامي بداية من عصر الرسالة حتى هذا القرن والى أن يرث الله الارض ومن عليها شاملاً وجوهاً كثيرة ومناحٍ متعددة ـ خاصة وعامة ـ فردية وجماعية. ولا نجانب الحقيقة أن نقول أن الوقف مس جميع جوانب الحياة وسوف يتبين لنا ذلك. 

وتعميماً لفائدة البحث نورد نموذجاً الى صيغة وقف جرت في منتصف عمر الاسلام ـ تقريباً ـ بين بدء الرسالة الى الآن. نص الوقفية: 

" بسم الله الرحمن الرحيم. هذه مدرسة الخاتون الكبيرة الأجله.عصمة الدين سنى الشام.أم حسام الدين.بنت ايوب بن شادي رحمه الله. وقفتها على الفقهاء والمتفقهة من اصحاب الامام الشافعي. والموقوف عليها وعليهم وعلى ما يتبع ذلك جميع القرية المعروفة بيزينه. وجميع الحصة وهي احدى عشر سهماً ونصف من اربعة وعشرين سهماً من جميع المزرعة المعروفة بجرمانا. وجميع الحصة. وهي اربعة عشر سهماً وسبع من اربعة وعشرين سهماً من القرية المعروفة بالتينه. ونصف القرية المعروفة بمجيدل السويدا. وجميع القرية المعروفة بمجيدل القرية. وذلك في سنة ثمان وعشرين وستمائة هجرية(3). 

الوقف في القطيف 


لم تكن القطيف وهي حاضرة من حواضر العالم الاسلامي من لدن عصر الرسالة الأول ـ التي أمدت الاسلام هي واختاها ـ الاحساء والبحرين ـ أوال سابقاً ـ(4)بالمال في أعصب الازمات المالية حتى ذهل الاصحاب بالكم الكبير من المال الذي جيء به الى الرسول (ص) منها، وما زال عطاؤها يكبر ويكبر. 

لم تكن هي وأهلها في عزوف عن الاسهام في هذا الجانب ـ جانب الوقف ـ بل لعها متميزة عما سواها من المدن الاسلامية لشمولية انواع وجهات الوقف والموقوف عليها الى هذا الوقت. ويثير انتباه المرء حينما يعلم أن بعض الوقف في القطيف شمل حصصه الى جهات لا يلتفت لها الا ذو عمق من الايمان وحس من الشعور بالوطنية والغيرة كبيرين. 

فليس جانباً من جوانب الخير المعروف والتقرب به الى الله تعالى الا وتجد له وقفاً. فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر 

الجهات الموقوف عليها ـ العامة 


أ ـ وقف لإقامة الشعائر الدينية في كل مناسباتها من وفيات ومواليد الرسول (ص) والائمة الاثني عشر وفاطمة الزهراء عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام. ويذكر في الوقفية حتى اعداد الطعام. 

ب ـ انشاء المساجد والنوادي الحسينية ـ الحسينيات ـ والوقف عليها لاستمرار اصلاحها والقيام بحاجاتها ولوازمها. 

ج ـ انشاء المساكن ـ الخانات ـ لنزول المسافرين وسكناها مجاناً فيها في طريق سفرهم لزيارات العتبات المقدسة. 

د ـ وقف يصرف على المحبوسين ـ السجناء ـ. 

هـ ـ وقف على تركيز وبناء العلامات على طول طريق البحر من القطيف الى جزيرة تاروت كي لا يضل الساري. 

و ـ وقف يصرف على قلع ـ ازالة الحجارة البارزة في الطرق لئلا يعثر بها المسنون والمكفوفون أو من لا يلتفت اليها، وتسمى باللغة الدارجة عندنا بـ "العناصيص. جمع عنصوص وهي الحجرة الصغيرة الناتئة في عرض الطريق وقد كانت كثيرة جداً في كل الطرق". 

ز ـ وقف القدور الكبيرة والصواني لطبخ الطعام وتقديمه في المآتم والمناسبات. 

ح ـ وقف يصرف على تجهيز الميت اذا كان فقيراً ـ لا سيما الكفن ـ. 

ط ـ وقف يصرف على طلبة العلم الديني. 

ي ـ وقف يصرف لانواع البر عموماً. وهذا باب واسع كبير يشمل كل شيء في الحياة الاجتماعية وكل محتاج الى مساعدة دونما تخصيص جهة دون اخرى. فهو يشمل مساعدة الفرد في زواجه، أو بناء منزله أو علاجه. واذا حدثت له كارثة من حريق أو نحوه. ويشمل الجماعة بأن يسهم في بناء المساجد والحسينيات والجمعيات ودور الايتام والمصحات والبعثات العلمية، وكلما ينطبق عليه مشروعية العمل العام المحتاج. 

وهناك أوقاف عامة خاصة، بمعنى أنها لا تشمل العموم فهي خاصة. ولا تخص فرداً أو أفراداً بذواتهم فهي عامة. ومثال ذلك أوقاف مخصصة الى قرية بعينها تصرف في حسينياتها كوقف قرية الجارودية ووقف قرية التوبي ووقف قرية الآجام ووقف قرية الكويكب وهلم جرا فهي أوقاف عامة خاصة. وهناك أوقاف تصرف للحسينية الكذائية، فهي أخص من الخاصة المذكورة وهي بنفس الوقت عامة، لأنها تصرف في مأتم للعموم، وتخص جميع فئات المجتمع وشرائحه. 

الوقف الخاص 


ونعني به العقار ـ بستاناً أو منزلاً أو حانوتاً أو عمارة أو أي ملك آخر حتى المنقول كالسفن ـ يوقفه مالكه على جهة خاصة، فإنه هو الآخر يأخذ أبعاداً مختلفة ونواحي متباينة. فمنه الوقف الذري وهذا النوع من الوقف منه ما يوقف الواقف على الذكور من ذريته على الدوام والاستمرار دون الاناث وبعضهم ينص على أن الولاية للصالح منها. وبعضهم ينص على أن تكون للأكبر حتى ولو فيها من هو أصلح منه. وهذا النوع تارة يكون بمثابة الارث "الولد يرث اباه" وتارة يكون على شكل طبقات ـ الطبقة العليا تمنح السفلى ـ بحيث ينحصر ريعه في شخص واحد مع وجود افراد من الاسرة الا ان يحجبهم لعلو طبقة عليهم. فهو عم وهم ابناء أخ ـ مثلا ـ. 

ومرة يكون وقف الذرية شاملاً للذكور والاناث ـ للذكر مثل حظ الانثيين ـ واخرى يخصص وقف للذكور من الذرية وآخر للاناث. لا يشمل حتى الذكور المتولدين من الانثى. وإنما ينتقل ريعه الى غيرها اذا لم تكن عندها بنات. 

ومن الوقف الخاص ما يوقف على اداء الصلاة والصيام وقراءة القرآن المجيد عن الواقف أو عن ابويه أو أحد أجداده أو عن بعضهم ـ مشتركين ـ ومنه ما يوقف على أداء الحج أو العمرة وزيارة العتبات المقدسة عمن ذكرنا. ومنه ما يوقف على طلبة العلم من ذرية الواقف وهكذا. 

في الحقيقة لا توجد احصائية الى الوقف بعدد البساتين والبيوت وغيرها ومساحاتها ومواقعها وجهاتها حتى جهة الاختصاص ليس لديها ذلك. ونعني بها محلة الاوقاف والمواريث. ويمكن على وجه التخمين القول بأن الاوقاف بكل أقسامها من النخيل تشكل نسة 60بالمئة من مجموع النخيل على أقل تقدير. فلا توجد سيحة الا وأكثر بساتينها وقف. 

ويكفي أن نعلم أن كل نخيل آل جمعه ـ وهي أكبر حجم عند أي أسرة من الاسرة ـ كلها وقف اكثره ذري وفيه كم لا يستهان به الى جهات اخرى(5)وما من مدينة ولا قرية الا وفيها أولياء على وقف. وهذا يدل على مدى ضخامته أما البيوت والدكاكين فإن حجمها وعددها قليل(6). 

مدى تأثير عوائد الوقف على المجتمع 


لا شك أن وقفاً بهذا الحجم وتلك السعة وتنوع جهاته سيكون مصدراً رئيسياً في انماء الحياة الاقتصادية وتعميم الرفاه لدى ابناء المجتمع. لا سيما وقد كانت التمور غذاء أولياً لأهل البلاد والبلاد المجاورة، والى الدواب والانعام والماشية فلا غرابة أن نقول بأن كل شريحة من شرائح المجتمع تستفيد منه بطريق مباشر أو غير مباشر. يتحد في ذلك كل فئات الشعب بما له من مردود على الجميع. وقد كانت لمحاصيل التمور والحقول في القطيف مواسم تتسم بالحركة التجارية القوية والمتلاحقة. 

التحول الكبير 


يعتمد سكان الخليج قبل ظهور البترول في أراضيه في حياتهم المعاشية على موردين رئيسيين هما الزراعة والبحر. وتختلف مناطقه فيما بينها اختلافاً بيناً من حيث مصادر الدخل وتنوع انشطة الكسب وبالتالي مردود ذلك على حياة الافراد والجماعة. 

فعماد دخل الفرد في الكويت على البحر، لعدم وجود المياه وعدم امكانية الاستفادة من الارض ومثلها بقية الخليج عدا البحرين التي لها انشطة مختلفة في البحر، والتجارة وبعض الزراعة لوجود نبع الماء فيها. وكانت مركز تموين تجاري الى جاراتها. وسبقها الى التعليم كان له دفع وتحريك في انشطة التجارة وغيرها. 

أما القطيف فلها شأن آخر تتميز به عن مثيلاتها فهي: 

أولاً: رقعة زراعية كبيرة تضم سبعمائة وثلاثين ألف نخلة على ادنى احصاء منها خمسمائة وعشرة آلاف نخلة منتجة بمعدل 25 كيلو للنخلة الواحدة. 

ثانياً: فيها عيون المياه غزيرة وكثيرة ومتنوعة برودة وحرارة منتشرة في كل مدينة وقرية وخارج المدن والقرى على ساحلها البرى. ومن تلك العيون ما يضرب به المثل في الغزارة وتدفق المياه مثل عين داروش بصفوى والخنيسفانية في البر غربي الجارودية وام عمار بالحلة وحمام تاروت والطيبة واللبانية وامثالها. أو لعذوبة كالقشورية وصدين وامثالها حتى أن بعض الشعراء احصى ـ شعراً ـ ما في بلده من عيون الماء القديمة فبلغت 39 عيناً لقرية واحدة مع وصفه لما تعطيه حقولها من انواع الفاكهة والخضار اضافة الى التمر والرطب. 

ثالثاً: البحر، ومدى استفادتها المادية البالغة الاهمية منه ـ سيتم بيان موجز عنها ـ. 

رابعاً: موقعها بين البر والبحر(6). 

خامساً: الصناعة اليدوية. 

موارد النخيل والزراعة المصدر الرئيسي للدخل القومي في القطيف 


من المعلوم أن اعتماد الخليج وبادية نجد والعروض في غذائها الرئيس على التمر أولاً بأول. ومن المعلوم كذلك أن وسائط النقل هي الدواب ـ بكل شيء ـ بدءا من الانسان وانتهاء بحاجاته. ومعلوم ايضاً أن أي بلد زراعي هو موضع لتربية الانعام والدواب والماشية والطيور الداجنة. 

لذلك فإن القطيف وهي بلد زراعي ـ ذا موقع جغرافي متميز ـ صارت تصدر التمور الى الخليج والى نجد وتمون البادية مضافاً لاستهلاكها المحلي. وكانت لها في كل سنة مواسم تجارية ثلاثة. 

الاول: يتعلق بالتمور خاصة بدءً بتلقيح الثمرة ـ نبات ـ أو تنبيت ـ ومروراً باللف ـ لف العذق ـ لفاف ـ والتحدير ـ معادلة العذوق في خط دائري متساوي ـ والصرام ـ جذاذ النخل ـ فالتعبئة بعد اليبس،، فالنقل الى المستودعات(7) والاسواق وانتهاء بالبيع. ويلحق بهذا العمل صناعة الظروف من خوص النخيل قبل يبسه. وهذا يستدعي صناعة 406250 ظرفاً على اساس أن انتاج التمور ثلاثة عشر ألف طن حسب الاحصاءات المحلية الرسمية. وإن كنا نظن أن المبلغ اكثر من ذلك باعتبار أن كل ظرف يحوي 32 كيلو جرام. 

الثاني: موسم السلوق. وهذا الموسم له من الحركة لجميع قطاعات الشعب ما يبعث على الفرحة والاعجاب. إنه أشبه بأعياد الكرنفال ذات الطابع الشعبي المغمور بالمسرات والحبور. 

ان السلوق يعمل من البلح المعروف بالخنيزي بعد احمراره بالكامل. لأنه أكثر انواع التمور بالقطيف عدداً وانتاجاً. ولأنه أحسن أنواعها قابلية لهذا العمل، ولا يفوقه جودة وحسناً الا النوع المسمى هلالي. ولأن هذا النوع قليل في القطيف ولكونه ذا ذائقة طيبة فهو يعمل مخصصاً للبيوتات. واستيفاء لجوانب الموضوع الذي نحن بصدد الحديث عنه يحسن أن نذكر انواع الرطب الذي بعضه يؤخر لعمل التمر وبعضه للتمر خاصة دون الرطب حسب تسلسل نضجه ووقته قدر الامكان. 

الطياري: يسبق وقته كل أنواع الرطب وليس من الجودة بمكان وهو في نفس الوقت قليل الكم. يليه الماجي وهو نوع لطيف الذائقة قليل الحلاوة. واذا استصنع كان أفضل من نضوجه في النخلة(8) يليه ـ قبل انتهائه ـ البكيره وهو ذو حجم صغير وسكره قليل ولا يؤكل قبل نضوجه. يليه الغرا. وهذا من أفضل أنواع الرطب نضارة وذوقاً ـ بسراً ورطباً ـ وتمره من الانواع المميزة ثم الخنيزي، ونتابع الانواع ـ الخلاص، وهو من الشهرة بمكان لا يحتاج الى تعريف ـ رطباً وتمراً ـ والحلاو الابيض والاحمر. والصبو والجنيس والمكتوم والنوف والخواجي والعوينات والخصبة والرزيز وام رحيم والحجب ـ وهو آخر الرطب ـ وهناك أنواع كثيرة لا أتذكرها. 

عملية السلوق والمسار الذي تمر به 


عندما يتكامل احمرار الخلال ـ البلح ـ في النخيل يتحدد يوم لقطعه منها عذقاً ولا يلقى العذق منها رمياً كي لا يتلوث أو يتشدخ، وإنما يدلى بالحبال وهناك من يأخذه لجمعه في عريش موجود ومعد بالحقل. ومنه ينقل بواسطة الحمير الى الموضع المهيأ الى السلق ـ بتسكين اللام وفتح السين قبلها ـ فمن يقوم بالقطع مجموعة من العاملين ومثلهم الذين ينقلونه الى العريس ومثلهم الذين ينقلونه على الدواب لموضع السلق ويواصل المسار رحلته اذ في الموضع المهيأ للسلق ويسمى ـ مدىـ(9) في هذا الموقع تلبث في جانب منه في الارض لوحة مصنوعة من جريد النخيل القوي مربوطة بحبل دقيق بين كل واحدة من العصي فرجة وهي بطول متر في نصفه وتسمى ـ ماكنه ـ يجلس امامها شخص قوي مفتول الساعدين فيمسك بالعذق واحداً تلو الآخر فيرفعه الى اعلى ثم ينزله معادلاً ثلث اللوح فتدلى الشماريخ فيها ويجذبها عنده فينخرط البسر كل واحدة على حده. وحين يصبح كمية كبيرة ينقل شحنة شحنة الى قدر من النحاس كبير مثبت على تنور بالبناء على جانبيه يتسع الى ثلاثمائة كيلو غرام أو أكثر وتوقد النار من تحته بالسبجن، وهي قطع من النخيل يابسة بطول متر ونصف تقريباً بعرض ثلاث متر. وعلى هضبة كل جانب من الجانبين شخص هو الآخر قوي العضلات مفتول اليدين وبيده مغرفة مصنوعة من السلك كلها ثوب ولها يد مبرومة من الخشب طولها متران أو تزيد. يقوم بغرف السلوق عند نضجه ليلقي به قريباً من ساحة القدر حيث ينقل للنشر والتجفيف، وبعد جفافه يكوم اكواماً. 

وينتقل مسار رحلة صنع السوق الى فصل آخر، إذ يتحدد يوم الى وزنه وتعبئته في اكياس الجوت وخياطتها بخيوط الجوت بواسطة الابرة الكبيرة(10) فيخرج مسئول من قبل المالك ـ أو التاجر ـ الذي ابتاع السلوق ـ حاضراً أو معلقاً(11) ومعه الميزان وأكياس الجوت وربطة الخيوط والابرة ومعه العمال والمسئول يقيد كل كمية الى صاحبها في دفتر خاص، وهو نفسه يعين المكان والشخص الذي تقام فيه وجبة الغداء له وللعاملين معه.وقد يصحطب معه افراداً وآخرين للنزهة. 

وبعد التعبئة ينقل الى بيوت مالكين أو مستودعاتهم بواسطة الدواب(12)وينتظر حيث تجيء السفن الكبيرة من الهند لنقله بعد اتمام صفقات البيع على تجار الهند مباشرة أو بواسطة تجار من البحرين(13) وتعم السوق وحركة النقل حين مجيء السفن دورة نشاط مادي تتسم بتوفير السيولة لكثرة تجارة السفن وتموين سفنهم ونقل السلوق الى سفنهم وهي عشرات الالوف من الاكياس. 

الموسم الثالث: موسم البادية ـ وغالباً يكون في فصل الربيع الذي هو ثلاثة شهور من ايام السنة. حيث يتوافد جماعة من البادية من قبائل مختلفة تحملها السمن ـ الدهن الخالدي ـ معبأ في قرب مع أكياس الفحم والاقط لتصريفه في اسواق القطيف وتتمون بالتمور والطعام والاقمشة وسائر احتياجات افراد القبيله. هذا عدى الاغنام التي يجلبونها(14). 

التحول الكبير ـ والانتكاسة 


قلنا أن الاوقاف تشكل نسبة 60 بالمئة من مجموع حقول القطيف. وقلنا أن التمور غذاء رئيسي الى البلاد وسائر منطقة الخليج ونجد والعروض. وقلنا أن للقطيف ثلاثة مواسم وهذه المواسم الثلاثة مرتبطة بالتمور، ونحن نتكلم عن الوقف فما هي العلاقة بين الوقف وبين ذلك؟ 

لما كانت عائدات الوقف تصرف على اكثر شرائح المجتمع من الاولياء الى الخطباء الى التجار ـ أقيام الرز والقهوة والدخان والعصيرات وملحقاتها. والى عمل النوادي الحسينية والى الحجاج والزوار والى المصلين ـ أجور النيابة في المجالين المذكورين ـ هذا بصورة مباشرة، وبصورة غير مباشرة الى الآخرين من المواطنين. 

ولما كانت موارده وعائداته من اقيام عائدات التمور ومشتقات النخيل.فان الانتكاسة حصلت الى موارد البلاد الاساسية اثرت بشكل مباشر وغير مباشر في حياة المواطنين. واذا كانت الحياة الجديدة ـ عصر البترول ـ قد عوضت الناس بمدخوله لالتحاقهم بشركاته. فقد كان ذلك على حساب النخيل وبالتالي على حساب الناتج الاجمالي للدخل القومي من الارض والنخيل والتمور وما ينتج من الارض والنخيل من ثمار وفواكه وحبوب وأمثالها. وقد لحق التأثر كل جوانب قيم المحصولات المحلية وتقلص دورها ـ بل انعدم ـ ولعل لنا عودة اخرى، نتحدث عن اسباب الانتكاسة والعوامل التي أضرت بحالة الحقول وعلى الخصوص ـ قضية التمور ـ والى لقاء حوله. 


--------------------------------------------------------------------------------

الهوامش: 


(1) دائرة امعارف القرن العشرين المجلد العاشر ص 796 

(2) المصدر السابق المجلد الثالث ص 205 

(3) تاريخ التربية الاسلامية ـ أحمد شلبي، دار الكشاف 1954 

(4) كان يطلق لفظ البحرين على هذه الواحات الثلاث بل من خليج البصرة حتى سيف عمان 

(5) لقد حصل نزاع بين الاسرة على عدد كبير بأنه ملك خاص لم يدخل ضمن الوقفية 

(6) الا في هذين العقدين من السنين حيث آلت النخيل الى الخراب ولم يعد في أكثرها مردود الى جهات الوقف فقد بيعت القريبة منها الى مواقع السكن ـ وما زالت تباع بإذن المحكمة ويستبدل بها عمارات وبيوت ودكاكين. 

(6) جاء في العدد (27) محرم ـ صفر عام 1412هـ من مجلة البلديات ص 14"لقد تأثرت نشأة القطيف بثلاثة عوامل رئيسية هي: البحر والزراعة والصحراء. 

(7) تسمى مستودعات التمر كناديد ـ جمع كندود 

(8) تصنيعه أن يقطف عند تكامل احمراره ويبسط على حصير ويشدخ ـ يضرب ـ باعواد عذق يابس ثم يترك يومين أو ثلاثة مغطى بقماش رقيق فيصبح رطباً لذيذاً. 

(9) الندى مساحة من الارض مسطحة صلبة مكشوقة مسيجة بسقف النخيل، تجفف فيه التمور والسلوق 

(10) يطلق على الخيط اسم "سوقلي" وعلى الابرة "مسله". 

(11) بيع المعلق هو حضور الثمن وتأجيل المثمن 

(12) لقد كانت في القطيف عوامل ـ واحدتها عاملة ـ كل عاملة مكونة من اربعة أو خمسة أشخاص لهم رئيس مسئول وتحت ادارته ما يترواح عدده من ست الى عشر دواب ـ حمير ـ وقد تكون في البدة الواحدة عاملتان. 

(13) لقد كانت في القطيف افراد من الهندوس ـ البانيان لمزاولة تجارة السلوق 

(14) لقد كانت في القطيف اسواق دائمة واسواق اسبوعية فالاسواق الدائمة هي سوق البزازين وسوق العطارين وسوق الصاغة وسوق الصفافير وسوق القاميص وسوق التمر وبين ذلك حوانيت الخرداوية ـ التي تبيع الاطعمة ـ وسوق الندافين ـ صناع المقاعد والمساند والفراش ـ وسوق الحدادين وسوق اللحوم وسوق الخضار وسوق الاسماك. 

اما الاسواق الاسبوعية فهي اسواق الدهن وسوق الدجاج وسوق الحبوب المنتجة محلياً ـ السمسم الماش البرسيم وغيرها ـ وسوق البقر والاغنام، وسوق الخزف وسوق الحصران والسجاد والمسيم والاغذية والقفف والمراوح والجفران وغيرها. 

راســــــــــلني من فضلــــــك ‍ ‍

نرجوا من إخواننا الذين يتصفحون هذا الموقع أن يتحفونا بأرائهم الهادفة وأن لايبخلوا علينا بالنصح والإرشاد لما فيه الخير للجميع

أخوكم أبو رضا